كشف البصائر في اختصار مقدمة شيخ الإسلام في أصول التفسير

بسم الله الرحمن الرحيم

[أن التفسير نوعان]

العلم: إما نقل مصدَّق، وإما استدلال محقَّق. وما سوى ذلك: فإما مزيَّف مردود، وإما موقوف لا يُعلَم أنه بهرج ولا منقود.

فالتفسير نوعان: التفسير بالأثر والتفسير بالرأي.

[التفسير بالأثر]

أما التفسير بالأثر: فإما أن يكون عن معصوم — كحديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا صح إسناده، وإجماع الصحابة والتابعين إذا ثبت انعقاده — ، وإما أن يكون عن غير معصوم، كالمنقول عن أفراد الصحابة والتابعين.

[تفسير القرآن بالقرآن]

وأحسن طرق التفسير: أن يفسَّر القرآن بالقرآن.

فما أُجمل في مكان فإنه قد فُسِّر في موضع آخر، وما اختُصر في مكان فإنه قد بُسط في موضع آخر.

[تفسير القرآن بالسنة]

فإن أعياك ذلك فعليك بالسنة، فإنها شارحة للقرآن وموضِّحة له.

[تفسير القرآن بقول الصحابة]

وإذا لم تجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعت في ذلك إلى أقوال الصحابة.

[اختلاف التنوع]

وإذا اختلفوا فالغالب أنه اختلاف تنوع، لا اختلاف تضاد. وذلك صنفان:

أحدهما: أن يعبِّر كل واحد منهما عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه، تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة.

والثاني: أن يذكر كل منهم من الاسم العام بعض أنواعه، على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه.

[اختلاف التنوع الذي يرجع إلى سبب النزول]

والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبَّب.

وقولهم: (نزلت هذه الآية في كذا) يُراد به تارة أنه سبب النزول، ويُراد به تارة أن هذا داخل في الآية وإن لم يكن السبب.

وإذا ذكر أحدهم لها سببا نزلت لأجله، وذكر الآخر سببا، فقد يمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب، أو تكون نزلت مرتين.

[اختلاف التنوع الذي يرجع إلى اللغة]

وما يكون اللفظ فيه محتملا للأمرين — إما لكونه مشتركا في اللغة، وإما لكونه متواطئا في الأصل لكن المراد به أحد النوعين — فمثل هذا قد يجوز أن يُراد به كل المعاني التي قالها السلف وقد لا يجوز ذلك.

فالأول: إما لكون الآية نزلت مرتين، وإما لكون اللفظ المشترك يجوز أن يُراد به معنياه، وإما لكون اللفظ متواطئا، فيكون عاما إذا لم يكن لتخصيصه موجب.

ومن الأقوال الموجودة عنهم ويجعلها بعض الناس اختلافا: أن يعبِّروا عن المعاني بألفاظ متقاربة لا مترادفة، فإن الترادف في اللغة قليل — وأما في ألفاظ القرآن فإما نادر وإما معدوم، وهذا من أسباب إعجاز القرآن — ، وأن العرب تضمِّن الفعل معنى الفعل وتعدِّيه تعديته — ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض.

[تفسير القرآن بقول التابعين]

إذا لم تجد التفسير في القرآن، ولا في السنة، ولا وجدته عن الصحابة: فقد رجع كثير من الأئمة في ذلك إلى أقوال التابعين.

وليس قول بعضهم حجة على بعض، ولا على مَن بعدهم. والاختلاف بينهم أكثر من الاختلاف بين الصحابة. وكلما كان العصر أشرف، كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه أكثر.

[الإسرائيليات]

والإسرائيليات تُذكَر للاستشهاد لا للاعتقاد، وهي كثيرة في تفسير التابعين.

وهي على أربعة أقسام: ما علمنا صحته بما عندنا مما يصدِّقه، وما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه، وما تحيله العقول، وما هو مسكوت عنه — فلا نؤمن به ولا نكذِّبه ولكن تجوز حكايته ونقل الخلاف عنهم في ذلك، وغالبه مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.

[النقل المقبول في التفسير]

ثلاثة أمور ليس لها إسناد: التفسير والملاحم والمغازي، لأن الغالب عليها المراسيل.

ولكنها مقبولة: إذا تلقاها أهل العلم بالقبول والتصديق وأجمعوا عليها، أو إذا تعددت الطرق بغير المواطأة قصدا والاتفاق بغير قصد، أو إذا اشتركت في أصل المعنى وإن كانت الألفاظ مختلفة.

فالأول لأن الأمة لا تجتمع على خطأ، والثاني لأن النقل إذا كان بغير تعمد الكذب ووقوع الخطأ فهو صدق، والثالث لأن بعضها يعضد بعضا.

[التفسير بالرأي]

وأما التفسير بالرأي فنوعان:

أحدهما: التفسير بمجرد الرأي، فهو حرام.

فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلَّف ما لا علم له به، وسلك غير ما أُمر به. فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ، لأنه لم يأت الأمر من بابه، لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ.

والثاني: التفسير بالاجتهاد، فهو يجوز.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، وتفسير لا يُعذَر أحد بجهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله.

[الخطأ في التفسير بمجرد الرأي]

والتفسير بمجرد الرأي يقع فيه الخطأ من وجهين: قوم اعتقدوا اعتقادات باطلة وفسَّروا القرآن على وفق ما يعتقدون، وقوم فسَّروا القرآن بمجرد احتمال اللفظ في اللغة من غير نظر إلى المتكلِّم بالقرآن، والمنزَّل عليه، والمخاطَب به، وسياق الكلام.

كتبه الفقير إلى عفو ربه: آندي أوكتافيان لطيف
باندونق، إندونيسيا، ٤ جمادى الآخرة ١٤٤١ هـ / ٢٩ يناير ٢٠٢٠ م

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Scroll to Top